الجزء الثاني: التعويــــم واثــــــــــاره (1)
بقلم .... اقتصادي حـــــــر
قــــرار التعويـــــــــــم
نتيجة لكل ما تم استعراضه في المقال الأول عن أسباب
ازمة سعر الصرف الحالية، قرر البنك المركزي التدخل بعد غياب تام عن المشهد ووصول سعر
الدولار في السوق الموازية الى 18 جنيه. ففي صباح يوم الخميس 3 نوفمبر 2016 قرر المركزي امرين في غاية الأهمية؛ الأول: إطلاق الحریة للبنوك
العاملة في مصر في تسعير النقد الأجنبي. ثانيا: رفع سعري عائد الإيداع والإقراض
بواقع 300 نقطة أساس لتصل إلى 14.75%
و15.75% على التوالي، ولحق بهذا القرار قررا اخر أصدرته وزارة البترول في مساء نفس
اليوم قررت فيه رفع أسعار البنزين والسولار وغاز السيارات
بنسبه 40%، سعر أسطوانة غاز الطهي للمنازل ارتفع
بنسبة تقارب 100% وذلك
بهدف لتخفيف العبء
على الموازنة العامة بعد تغير سعر الصرف.
وفي ظهر
اليوم الثاني الجمعة 4 نوفمبر 2016 عقدت المجموعة الاقتصادية بالحكومة مؤتمر صحفي
أوضحت فيه بعض القرارات الأخرى المتعلقة بالدعم وبتوفير السلع التموينية والمواد
البترولية التي ارتفعت أسعارها بالإضافة الى وضح حزمة من حوافر الاستثمار الجديدة
تشجيعا للمستثمر الخارجي. وأسمت الحكومة هذه القرارات بالإضافة الى قرار البنك المركزي
السابق بمسمى "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، ودعت جموع الشعب الى تحمل
فاتورة هذه الإصلاح الذي أصبح حتمي. في الحقيقة، رغم اننا بصدد عدد من القرارات الاقتصادية
في اقل من 24 ساعة، الا انه في الواقع هو قرار واحد وهو تحرير سعر صرف الجنيه والقرارات
الاخرى هي قرارات مكمله للقرار الأول تصاحبه لتقليل الأثر الاقتصادي والاجتماعي
السلبي الذي قد ينتج عن تعويم الجنيه المصري.
ماذا يعنــــــــى هذا القرار:
كما فهمنا من
المقالة الأولى ماذا نعنى بسعر الصرف، فان ادارته تتوقف على سياسة البنك المركزي
الصادر للعملة فتتخذ البنوك المركزية حول العالم 3 أنواع من
سياسات الصرف، أولها سياسة سعر الصرف الثابت، وثانيها سياسة
سعر الصرف المُعوم، وثالثها هي سياسة سعر الصرف المُدار وهى الأوسع انتشارًا.
سياسة
سعر الصرف الثابت تتم عن طريق ربط عملة الدولة بسعر عملة رئيسية أو سلة عملات وتحدد
سعر ثابت لهذا وهو النظام الذي كان قائما حتى يوم 3 نوفمبر، حيث يثبت المركزي سعر
صرف الجنيه امام الدولار ولا يسمح له بالتغير ومعيار نجاح هذه السياسة إذا نجحت
الحكومة في تخفيض الطلب على الدولار والا سوف تستنزف رصيدها من الاحتياطي النقدي، أي
ان الحكومة إذا فشلت في تقليل الطلب على العملة الأجنبية فإنها تواجهه بزيادة
العرض منه للمحافظة على السعر المحدد مره أخرى. لهذا فان الاستمرار في هذه السياسة
لفتره طويله في ظل عدم استقرار السوق وتنامى الطلب على العملة الأجنبية هو امر
مدمر اقتصاديا حيث يؤدى الى نقص الاحتياطات الأجنبية وتفشل الدولة في توفير
العملات الأجنبية لمواطنيها بسعر الصرف الرسمي، وتنشأ السوق الموازية
"السوداء"، وهو ما حدث بالفعل في مصر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. أما سياسة
التعويم فهي تحديد سعر صرف العملة وفقًا لآليات العرض والطلب بالسوق دون تدخل الدولة، حيث يتطابق
سعر الصرف الرسمي مع السعر الموازي، ولكن تصبح دخول وأصول المواطنين عرضة لتقلبات العملة،
وهذا هو النظام الذي أصبح قائما الان في مصر بعد القرارات الاخيرة. وشرط نجاح هذه السياسة
يتوقف على مرونات الطلب على الصادرات والواردات، أي مدى استجابة الصادرات والواردات
نتيجة تغير سعر الصرف وسوف نفصل لهذه النقطة لاحقا. وأخيرا: المُدار فيتم
عن طريق احترام الدولة لآليات العرض والطلب، وتحريك قيمة عملتها ولكن في حدود،
ليتحول الرسم البياني لسعر العملة إلى ما يشبه ثعبانًا داخل نفق، الدولة تحدد
النفق "الحد الأقصى والأدنى لتحرك العملة"، ويُترك للعملة حرية التحرك
داخله، وهو الأمر المتبع في دول عديده. ونجاح هذه السياسة يتوقف على مدى مقدره الدولة على بقاء سعر الصرف في
حدوده مع المحافظة على رصيد الاحتياطي عند مستوى مستقر.
وبهذا فان البنك المركزي المصري، قد قرر تحرير سعر
صرف الجنيه وإعطاء مرونة للبنوك العاملة في مصر لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي، أي
تخلّي عن سياساته التى حافظت على مستوى ثابتًا لسعر الجنيه أمام سلّة العملات الأجنبية،
وأمام الدولار بشكل خاص، بعيدًا عن قوى العرض والطلب وتتحرر من التزامه بضمان ثبات
قيمة الجنيه عند مستوى 8.78 جنيهًا، الذى حافظ عليه طوال الشهور الماضية، ويترك الجنيه
للحركة في السوق بشكل حر، مع دعمه بآليات وسياسات مختلفة، ليست إجراءات حماية مباشرة
وربط للسعر كما كان في السابق، ولكنها إجراءات اقتصادية حقيقية وفاعلة، عبر العمل على
معدلات التضخم ونسب النمو وتطوير السياسات المالية والمصرفية، وتوفير أرضية مصرفية
لاستيعاب تداولات النقد المحلى والأجنبي بعيدًا عن السوق الموازية، وهو ما يوحّد أرقام
الاقتصاد، ويوفر سوقًا واحدة، ويدعم جدارة الاقتصاد ومركزه فى التقييمات العالمية وأمام
الاقتصاديات الأخرى.
يجب هنا الإشارة الى انه بعد قرار التعويم تتقلب سعر
صرف العملة بشده ثم تستقر عند مستوى ثابت نسبيا، ففي 2003م، بعد قرار الحكومة
تعويم سعر صرف الجنيه، ارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه من 3.4 جنيه إلى أكثر من
7 جنيهات ثم استقر لعدة سنوات قريبًا من 5.5 جنيه. وتعكس قيمة العملة المُعومة على المدى المتوسط والطويل قوة الاقتصاد
وجاذبيته وعلاقته التجارية مع العالم الخارجي، هذا بالإضافة إلى سلوك المضاربين في
أسواق العملات، على المدى القصير.
التصور النظري للقرار:
ينطلق النموذج النظري لتصور البنك
المركزي والحكومة من أن تخفيض سعر صرف الجنيه يؤدي إلى تخفيض أسعار صادراته في
الخارج مما يؤدي لرفع قدرتها التنافسية في الخارج بما يساعد على زيادتها. كما أن
تخفيض وتعويم الجنيه يساعد على تنشيط تدفقات الاستثمارات الأجنبية والسياحة
الخارجية الوافدة إلى مصر، لأن تخفيض العملة المحلية يؤدي إلى زيادة القدرات
الشرائية للعملات الأجنبية التي بحوزة السياح والمستثمرين الأجانب. هذا بالإضافة
الى ان هذا القرار هو استجابة لشرط ضروري من شروط صندوق النقد الدولي بهدف اقراض
مصر 12 مليار دولار لمده 3 سنوات وهو ما يمهد لتطبيق برنامج الإصلاح. كما ان القرار سيوفر فرصة
إيجابية للسوق الرسمية والبنوك لامتصاص حصة كبيرة من معروض النقد الأجنبي، ومنافسة
السوق الموازية بقوة.
اما فيما يتعلق بالهدف من رفع سعر الفائدة، عن طريق تحريك المتوسط
العام لأسعار الفائدة في السوق للأعلى، بالإضافة الى طرح عدد كبير من البنوك
العامة والخاصة شهادات بعائد يصل الى 20%، فقد عمدت السلطة النقدية الى هذا
الاجراء لثلاث أسباب: الأول الحفاظ على قيمة الجنيه المصري عن طريق زيادة الطلب
عليه ومن ثم ارتفاع قيمته في الاجل المتوسط، حيث ان التوقع ان عند انخفاض سعر
الصرف يبدا المضاربون في بيع ما بحوزتهم من الدولار بالاحتفاظ بالجنيه ذو العائد المرتفع.
كما ان اتساع الفجوة بين أسعار الفائدة على الودائع الدولارية والودائع بالجنيه المصري،
بهدف جذب المزيد من العملة الصعبة، عن طريق تحويل العملاء الدولار إلى الجنيه للحصول
على أسعار الفائدة المرتفعة. السبب الثاني هو استيعاب السيولة الزائدة في السوق أي
احتواء الضغط التضخمي المترتب على التعويم. وأخيرا: أتصور ان يكون الهدف الثالث هو
إيجاد رصيد فى البنوك تلجأ إليه الدولة لاقتراضه لتواجه العجز المزمن والمتنامي
بمعدل قياسي في الموازنة العامة.
وبالطبع كل هذه المنطلقات صحيحيه بنسبه مائه في
المائة لكن بشرط واحد يوجد في جميع كتب الاقتصاد بلا استثناء وهو " مع ثبات
العوامل الأخرى". فالتصور النظري ينطلق من ان متغير واحد فقط هو الذي يحدث
فيه التغيير على ان تستمر باقي المتغيرات ثابته. وبالطبع هذا الافتراض لا يتفق مع
الواقع الأكثر تعقيدا والذي به جميع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
تتغير في كل لحظة. لذا وجب التدقيق فيما حدث بالفعل استنادا الى تقييم واقعي على
ضوء ما حدث في السوق المصرية الان بعد تلك القرارات او ما حدث من قبل خلال تجربه
تعويم الجنيه 2003 او ما حدث في الدول التي تبنت تلك السياسات ومرت بنفس الظروف المعاصرة.
التقييم الفعلي
لقرار التعويم
لا شكّ في أن القرار سيُحدث تغيرات كبيرة
وهيكلية في الساحة الاقتصادية وسوق الصرف، وربما من المبكر التنبؤ بكونها تغيرات إيجابية
أو سلبية، فمدى ما يمكن أن يُحدثه القرار من أثر يرتبط بالمقبل أكثر مما يرتبط بالراهن.
اما عن وجهه نظري في القرار نفسه هو: "إن قرار البنك المركزي بتحرير سعر
الصرف صحيح ولكن اختلف بشكل كامل معه في التوقيت واليات تنفيذه والقرارات المصاحبة
له". وفيما يلي نفصل بعض الشيء:
أولا: بالنسبة لقرار تحرير سعر الصرف، فقد تأخر من وجهه نظري أكثر من عام.
فببساطة شديده، لكل قرار سلبيات وإيجابيات، فلا يوجد قرار وخاصة اذا كان اقتصاديا
الا وله تكلفه. فقرار تعويم الجنيه في الظروف الحالية يعنى تخفيض قيمته الى مقدار
مقارب الى السوق الموازية، كما انه أيضا سيستتبعه زيادة في الأسعار نظرا لارتفاع
تكلفه الاستيراد وهذا الأثر الاقتصادي مؤكد. وعلى قدر تخفيض العملة ترتفع التكلفة
ومن ثم الأسعار. فمثلا في بدأيه العام الحالي كان السعر الرسمي مقارب الى 7.5
والسعر الموازي بلغ بأقصى التقديرات 11 جنيه، فاذا حدث التعويم سيكون بسعر اعلى من
الرسمي واقل من الموازي أي مثلا عند 9.5 وبالتالي مقدار التخفيض 20% فقط ومن ثم
ارتفاع الأسعار عند مستوى مقارب. وهكذا كلما اتسعت الفجوة بين السعرين زاد مقدار
الانخفاض في العملة وبالتالي ارتفعت فاتورة التعويم الاقتصادية والاجتماعية. و هو
ما حدث بالفعل فالبنك المركزي اتخذ قرار التعويم بعد ان اتسعت الفجوة الى 100% . وبالتالي
فان اثاره الحتمية أصبحت كارثيه لتضاعف التأثير السلبي للقرار، هذا بالإضافة الى
فقدان جزء كبير من الاحتياطي النقدي في الدفاع عن شيء وهمى غير موجودا.
ان عدم اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح يفقده صحته او يضعفه او
يضاعف في اثاره السلبية. لقد لعب تأخر هذا القرار دورا كبيرا في استمرار وجود سعرين
للعملة مع اتساع الفارق بينهما وهو الوضع الذي تسبب في زيادة غير مبررة للأسعار، وشلل
تام في الاستثمار، وعجز المصانع عن استيراد احتياجاتها من المواد الخام والمعدات وقطع
الغيار، وتراجع الإنتاج، وبدء تسريح العمالة، واتجاه القطاع العائلي إلى المضاربة على
الدولار. وامتنع العاملين بالخارج من تحويل أموالهم عبر النظام المصرفي الرسمي
واتخاذ وسائل أخرى تضمن لهم تحويل أموالهم بالسعر الأعلى. هذا وضع خطير وما كان يمكن
له أن يستمر. واستمرار الوضع السابق لم يكن في مصلحة أصحاب الأعمال والشركات، ولا مصلحة
الطبقة الوسطى ولا العمال ولا الفلاحين ولا الفقراء، لأن حالة الفوضى في الأسعار كانت
ضارة بالجميع. وبالتالي فإن قرار تحرير سعر الصرف عند مستواه الحقيقي لم يكن إجراء منشئا بل كاشفا، بمعنى أنه لم يتسبب بذاته في ارتفاع الأسعار،
بل عبر عن الانخفاض الحقيقي الذي أصاب سعر عملتنا الوطنية وترجم بشكل رسمي واقعنا الاقتصادي.
خاتما في هذه النقطة، لا أتصور ان هناك من يؤمن بحرية
السوق ويعترض على قرار تعويم الجنيه في المصارف الخاضعة للحكومة، حيث انه فعليا
كان معوما في خارج هذه المصارف سواء أرادت الحكومة ذلك أو لم ترد، ولكن عدم الاعتراض
على التعويم لا يعنى أننا كنا نتمنى الوصول الى هذه الحال، فالتدهور الشنيع لقيمة الجنيه
في السوق الحرة لم يكن يتمناه أحد إلا المتربحون من الاتجار في العملة.
ثانيا: اعتقد ان الواقع الفعلي المعقد
للاقتصاد المصري وما يمر به لا يتطابق مع التصور النظري التي افترضته الحكومة وهذا
للأسباب التالية:
·
السبب الرئيسي في هذا الاختلاف بين واقع الامر وتصور الحكومة هو ان الانخفاض الشديد لمرونة الطلب على الصادرات والواردات يفصل بين زيادة
نمو الصادرات او انخفاض الواردات وبين زيادة سعر صرف الجنيه. فالصادرات لن تزيد
إلا إذا كان هناك إنتاج قادر على المنافسة العالمية نوعيا وسعريا وفائض عن حاجة
الاستهلاك المحلي وقابل للتصدير، أو إنتاج موجه للتصدير في اقتصاد ينمو ويتطور
وتوجد به استثمارات جديدة وفعالة تنتج تلك السلع، فالأصل هو وجود وتطوير القدرات
الإنتاجية أولا.
·
كما ان التصور النظري من أن تخفيض سعر صرف الجنيه يؤدي إلى تخفيض
أسعار صادراته في الخارج مما يؤدي لرفع قدرتها التنافسية في الخارج بما يساعد على
زيادتها. لكن فعليا هذا يحدث بشرط ثبات أسعارها بالعملة المحلية وهو ما لم
يحدث اذ ان أسعار السلع المحلية لم تثبت بل
ارتفعت بقوة منذ انخفاض الجنيه مقابل الدولار وبخاصة بعد تعويمه، وبالتالي فإن ذلك
الارتفاع قد أضاع أثر انخفاض سعر صرف الجنيه بقدر ليس بالقليل على تحسين القدرة
التنافسية للصادرات.
·
وبالتالي فإن الميزات التي يقدمها تخفيض الجنيه مقابل الدولار بالنسبة
للصادرات لن تكون فعالة ببساطة لقلة الإنتاج القابل للتصدير. والواردات لن تتقلص
إذا كانت واردات ضرورية لا يمكن تخفيض الاستهلاك منها حتى بعد ارتفاع سعرها
بالعملة المحلية. أما الواردات غير الضرورية فالفئات التي تستهلكها مستعدة لدفع
ثمنها في ظل استحواذها على جانب كبير من الدخل والثروة في مصر ولا مجال لإجراء
تخفيض جوهري فيها إلا بإجراءات سيادية أو اتفاق واضح مع الغرف التجارية يتم تطبيقه
على المستوردين على قدم المساواة.
·
أما زيادة السياحة الأجنبية في البلد فترتبط بعوامل أخرى حاسمة مثل
الأمان والحرية والصورة الخارجية للدولة والترويج السياحي الذي يعاني من ضعف شديد
ومشكلات امنيه مع الاتحاد الأوروبي مثل ازمة الطالب "ريجيني". مشكلة السياحة المصرية في الوقت الراهن لا علاقة لها بمسألة
الغلاء الذي يتطلب تخفيض سعر الصرف لأنها رخيصة للغاية بالمقارنة مع الغالبية
الساحقة من المقاصد السياحية الأقل قيمة من مصر.
·
أما زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية للدولة فيرتبط بوجود خريطة
استثمارية جذابة ومغرية واستقرار أمني وسياسي، وسرعة وكفاءة ونزاهة إدارية في منح
التراخيص والموافقات الضرورية لتأسيس الاستثمارات ومرونة فائقة في متابعة
الاستثمارات الأجنبية ومتابعة إدارة الشراكات المحلية العامة والخاصة معها على أسس
عادلة ومتوازنة.
·
كما انه في الاجل القصير على الأقل وفي ظل تذبذب سعر الصرف، جاذبية
الاستثمار تكون منخفضة، لان المستثمر لا يعرف
هامش الربح الذي سيحققه نتيجة عمله في السوق المصري فالجنيه مرتبط بالدولار الأمريكي
الذي يمكن أن يرتفع اليوم لـ 18 جنيه وغدا ينخفض لما هو ادني من ذلك.
·
القول بأن التعويم
سيقضى على السوق السوداء يرتبط بقدرة البنوك على توفير الدولارات للعملاء، فإذا لم
يحدث ذلك فسيكون في ذلك عودة لنمو السوق السوداء وخاصة مع السماح بحرية الإيداع للعملات
الأجنبية دون السؤال عن المصدر، وهو ما يتطلب ضرورة خفض الطلب على العملات الأجنبية
من خلال خفض الواردات بقرار حكومي واضح.
·
كذلك فان
التصور بان تحرير سعر الصرف سيوفر فرصة للبنوك لامتصاص حصة كبيرة من معروض النقد الأجنبي،
حتى الان أي بعد حوالي 3 اسابيع من القرار، الأسعار في تذبذب كبير بل ارتفعت لتصل
الى قرب 18 جنيه أي اعلى من السوق الموازي نفسه. معنى استمرار هذا الامر هو ان تحول
سوق الصرف كلها رسمية أو موازية إلى سوق سوداء، بمعنى انتقال أثر المضاربة من شركات
الصرافة والمقاهي إلى البنوك، مع رغبة كل بنك في امتصاص حصة من النقد الأجنبي، وتنمية
محفظته الدولارية، خاصة مع ضمانها لهامش الربح.
·
أخيرا فان نتيجة
تغير سعر الصرف سوف يرتفع حجم الدين الخارجي، التي بلغت ارصدة الدين الخارجي بنهاية
سبتمبر 2016 قيمة 60,15 مليار دولار. و
بالمقارنة بين ارصدة الدين الخارجي قبل وبعد قرار التعويم، سنجد انه قبل التعويم بلغ
535 مليار جنيه مصري، عندما كان سعر الدولار 8,89 جنيها ، بينما 929 مليار جنية مصري، بعد قرار
التعويم بسعر الدولار 15,45 جنيها ، بزيادة بحوالي
400 مليار جنيه .
ختاما: أتصور ان هذه هي الردود الواقعية للافتراضات الحكومية النظرية، قد
يختلف معي البعض في هذا التصور ولكنى اعتقد المؤشرات الاقتصادية المتعددة وتفسيرها
بشكل تكاملي يؤكد وجهه نظري. وعلى أي حال فان اثبات صحة او خطا هذه الافتراضات
سيكون في الاجل المتوسط والطويل. اما في الاجل القصير فالأثار تقريبا معروفه
ومحسومه اقتصادياً اما بفعل خبره مصر السابقة عام 2003 او من تجارب الدول الأخرى. وهذا
ما سوف نستعرضه في المقال التالي.
و للحديث بقيه،،،