Sunday, 27 March 2011

ثورة 25 يناير .... رؤية اقتصادية (6)


" الاقتصاد المصري إلى أين ؟ "

بقلم ........... اقتصـــــادي حـــــر

إلى أين يتجه الاقتصاد المصري بعد أحداث الثورة ؟ هذا السؤال يدور الآن في معظم الأذهان ليس فقط المصريين و لكن للأجانب سواء كانت شركات متعددة الجنسيات أو دول او أشخاص لهم علاقة بشكل او بأخر بمصر . هل يستمر الاقتصاد في طريقة نحو حرية السوق ام ينحرف عنه ام يرتد إلى الخلف و يعود إلى الاشتراكية التي عرفتها مصر فى خمسينات و ستينات القرن المنصرم ؟

الاقتصاد المصري (1952 - 2010 )

مر الاقتصاد المصري بعدد من المراحل منذ عام 1952 ، بدأت المرحلة الأولي عام 1952 مع ظهور الزعيم جمال عبد الناصر و هي مرحلة يمكن ان نطلق عليها مرحلة التوجه الى الداخل و بدا انتشار الفكر الاشتراكي فى الاقتصاد المصري ، حيث غلب عليها اتخاذ عدد من السياسات الاقتصادية تصب في اتجاه إعادة توزيع الموارد ، من خلال تدخل الدولة الواضح في النشاط الاقتصادي ، وكانت أبرز هذه السياسات قانون الإصلاح الزراعي في سبتمبر 1952 ، والاتجاه إلى التصنيع – شعار من الإبرة إلى الصاروخ -  و بدا حركة التأميم و ، ثم الدخول لمرحلة التخطيط الشامل و إنشاء لجنة التخطيط القومي ، و التطبيق الكامل للقوانين الاشتراكية و تدخل الدولة فى كل أوجه النشاط الاقتصادي و تحديد التسعير الجبرى لكل السلع و الخدمات  . و استمرت هذه المرحلة حتى بعد أن تولى الرئيس السادات الحكم و الذي بدا حكمة بمرحلة اقتصاد الحرب ، حيث عاني الاقتصاد من مشكلة تمويل الخطة وكانت السياسات تخدم الاستعداد لتحرير الأرض المصرية المحتلة .
المحطة الثانية الرئيسة للاقتصاد المصري بدأت عام 1974 و استمرت حتى عام 1989 و هى مرحلة المعروفة باسم " مرحلة الانفتاح الاقتصادي " حيث تم إحداث تحول جذري في النظم والسياسات الاقتصادية، وكانت أبرز ملامح هذه المرحلة التحول عن نظام التخطيط الشامل، واستبداله ببرامج سنوية في شكل خطط متحركة، والاستعانة برأس المال العربي والأجنبي في التنمية من خلال قوانين الانفتاح الاقتصادي، و إنشاء سوق موازية للنقد الأجنبي. إلا أن الجزء الثاني من هذه المرحلة خلال فترة الثمانينات و مع تولى مبارك الحكم حدث تباطؤ شديد للنمو الاقتصادي و تناقص حجم الاستثمار وزادت فجوة الموارد، و بدأت مظاهر الاختلال المالي – زيادة الإنفاق بمعدل أسرع من الإيرادات – مما ترتب علية زيادة العجز و عدم استقرار الأسعار و زيادة أعباء الدين الخارجي.
المرحلة الثالثة و الأخيرة و التى بدأت منذ عام 1990 و انتهت فى 25 يناير 2011 ، الجزء الأول لهذه المرحلة بداء مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي و التكيف الهيكلي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي  و البنك الدولي و تبنت الحكومة المصرية سياسات انكماشية فقامت بتعميم ضريبة المبيعات على كل السلع و الخدمات ، تقليص حجم الدعم للسلع ، ور غم أن هذه السياسات أدت الى خفض العجز فى الموازنة العامة و الى نمو اقتصادي محدود إلا أن جميع الدلائل تشير الى سوء توزيع الدخل خلال تلك المرحلة ، حيث انخفض النصيب النسبي للأجور من الدخل القومى ، فى المقابل زاد نصيب أغنى 5 % من السكان من الدخل القومي الى 33 % و انخفض نصيب أفقر 20 % من السكان الى 5 % فقط خلال نفس الفترة ، و مع بدا التوسع الكبير فى الخصخصة بدا الموطن المصري ينتظر نتاج هذه السياسات الانكماشية و عوائد الخصخصة  الا انه لم يرى شيئا منها و أصبح اسم الصندوق بين أبناء الشعب " صندوق النكد الدولى "  . لتأتى بعد ذلك الجزء الأخير من هذه المرحلة و الذى بدأت عام 2002 بتولي حكومة نظيف و إنشاء لجنه السياسات فى الحزب الحاكم و تبنى مجموعة من السياسات أطلقوا عليها الجيل الثالث من الإصلاحات الاقتصادية و قد تناولنا هذه المرحلة بالتفصيل من قبل فى الثلاث مقالات السابقة و رأينا كيف كانت تسير الأمور و كيف ان هذه المرحلة أوصلت البلاد لاى ثورة 25 يناير .

تخوفــــــــــات مشروعـــــــة
بعد هذا التوضيح الموجز لتاريخنا الاقتصادي المعاصر، تأتى التخوفات من المستقبل !! أو إلى اين سنذهب ؟؟ فلأسف المواطن المصري البسيط الذي لا يعنيه البعد الأيدلوجي المطبق او ماذا تعنى ؟ لقد عانى المواطن كثيرا خلال الفترة الاشتراكية ، حيث الدخل القليل و الدرجة الوظيفية المتدنية و طوابير كل شيء من الكساء إلى الأكل ، عانى أيضا المواطن المصري صاحب راس المال من حركات التأميم و كل أنواع معوقات الاستثمار .
كما عانى المواطن المصري بدرجة اشد فى ظل الفترة التى قيل عنها اقتصاد حر، فالأجر مازال متدني و الحوافز و العلاوات ابتلعتها معدلات التضخم المرتفعة، انتشرت البطالة بين جميع الأوساط و لم تقتصر فقط على حديثي التخرج فالأسلوب الذي جرت به الخصخصة أسهم فى إيجاد صفوف جديدة من المتعطلين، بالإضافة الى تدنى جودة معظم الخدمات الحكومية و انتشار الفساد بكل صورة و الدليل الأعظم لهذا الفساد هو حجم التحقيقات التى يجريها النائب العام حاليا، ولعل أسوء مظاهر هذه الفترة هو تزايد الفجوة بين طبقات المجتمع و انحلال الطبقة الوسطي الأمر الذي ادى إلى تمركز السلطة و الثروة فى أيدي قله قليلة من رجال الأعمال و ازدياد معدل الفقر .
إذا كلا من النظامين يمثل واقع مؤلم فى ذاكرة المصري، الرأسمالية تعنى له الفساد و زواج السلطة بالمال و انعدام العدالة الاجتماعية و الاشتراكية تعنى له طوابير اللحمة و التسعير الجبري و الحرمان من سلع و خدمات كثيرة و انعدام الكفاءة الاقتصادية.
و لكن نظرا لحجم الفساد الكبير و انتشار رقعة الفقر فى مصر، شعر البعض أن على الاقتصاد المصري التوجه نحو اليسار مره أخرى لكى تعود العدالة الاجتماعية، و تبدأ الدولة فى التدخل من جديد فى قلب الحياه الاقتصادية، و يرى البعض ان هذا الشعور حقيقي عندما شكلت لوزارة الجديدة و جاء فيها عدد من الوزراء أصحاب الآراء الاشتراكية نوعا ما، و ظهور بعض الآراء التى تؤيد فكرة الاكتفاء الذاتي و طرد الاستثمار الأجنبي على اعتبار انه مستغل، كذلك حبس عدد ليس بالقليل من رجال الأعمال صحيح أنهم متورطون فى قضايا فساد كبرى و و التحفظ على أموالهم تتم بشكل قانوني إلا أن البعض يدلل بهذه الإجراءات أنها رده الى الخلف للعودة الى الستينات مره اخرى.

الثورة قالت كلمتها
إن كل المخاوف السابقة مشروعة تماما للجميع، إلا أن الفيصل الأخير بين كل هذه الاتجاهات و التيارات هو ما يريده الشعب المصري و الذي قال كلمته أثناء الثورة " الشعب يريد إسقاط النظام "، لقد طالب المصريين بحريتهم فى التعبير و حقهم فى المشاركة فى إدارة شئون البلاد، و الحق فى التصويت و ابدأ الرأي دون تزيف او تدليس، لقد اسقط المصريون بالفعل الحكومة و من بعدها راس النظام و من بعده رموز الفساد و الجميع يتم محاسبته الآن بشكل عادل، لقد أطلقت الحريات و خرج معتقلي الرأي و تحررت الصحافة من زيف الأخبار، و بدا الحركات السياسية فى التكوين و تحركت مجموعات أخرى لتكوين أحزاب سياسية بالإخطار، إن كل ما حدث يسمى في كلمة واحده " الديمقراطية "، نعم إنها الديمقراطية التي نتجت و تكونت داخل رحم المجتمع ذاته، فالديمقراطية ممارسة و لا يمكن ان تكون مفروضة أو مستورده من الخارج، و تحتاج فى وجودها الى مجتمع مدني نشط و هذا ما يحدث بالفعل.
          و إذا كان الشعب قد أراد الديمقراطية، فان الحقيقة إن الديمقراطية هي المرادف لاقتصاد السوق فى الساحة السياسية، ففي اقتصاد السوق يترك تفاعل المنتجين و المستهلكين فى السوق للعرض و الطلب و بالتالي يحدد سعر التوازن و الكمية. و بنفس المنطق تحدد الأسواق السياسية تترك القرارات للناخبين الذين يمثلون جانب الطلب، بينما تمثل الحكومات أو الأحزاب المتنافسة جانب العرض.و يؤدى التفاعل بين العارضين و الطالبين إلى إيجاد المناخ الديمقراطي اللازم لبناء و استمرار النظام السياسي الصحي. و عندما يكون العارضين احتكاريين ( الحكومة المسيطرة او الحزب الواحد الديكتاتور ) فان هذا الموقف يؤدى بالضرورة إلى إخفاق السوق ( الحياة ) السياسية، كذلك الحال فى اقتصاد السوق لو سيطر محتكر وحيد أو بعض من رجال الأعمال على سلعة ما او خدمة معينه – كما كان يحدث قبل الثورة – يؤدى هذا إلى ما يسمى بإخفاق السوق الاقتصادي Market failure و توقف آلية السوق الحر عن العمل.

اقتصاد السوق و الديمقراطية السياسية
إذن أوجه الشبة كبيرة بين نظام السوق و الديمقراطية، فكلاهما عملية تفاعلية بين العرض و الطلب، و النجاح فى كليهما يحتاج الى قواعد مناسبة و الأهم من ذلك أن كليهما لا يعمل بكفاءة فى غياب مؤسسات معينه.
و للتقريب أكثر نتخيل أننا ذهبنا لشراء تلفزيون من هايبر ماركت مثل كارفور حيث توجد أنواع كثيرة من التلفزيونات منها من هو محلي الصنع او المستورد و هناك أحجام الشاشات منها صغير الحجم و منها الكبير و بأشكال مختلفة ...... إذن فالاختيارات مختلفة و لهذا فان قرار الشراء سيتوقف على عدة عوامل من بينها الذوق او السعر او الدخل او الدولة المنتجة للتلفزيون .....الخ، و هذه هي مزايا اقتصاد السوق الذي يعطيك الفرصة لاتخاذ القرار على أساس ما تفضله مما يعرضه المتنجون. و ينطبق نفس المثال على الديمقراطية، ففي الانتخابات يكون لكل مرشح برنامجه و الأجندة الخاصة به و يعطى المواطن صوته للمرشح الذي يناسبه و فق رؤيته الشخصية و خبراته السابقة و توقعاته و مدى حاجته فى التغير و برنامج المرشح، تماما كما فعل نفس المواطن عند شراء التلفزيون .
و العكس أيضا يحدث بنفس التطابق، فإذا كان استيراد التلفزيونات ممنوعا فالمستهلك لم يجد سوء نوعا واحدا من التلفزيونات و سوف يشتريه المواطن بما فيه من عيوب فهو ليس لدية معرفة ببقية الأنواع الأخرى، و كذلك كان الحال كان عندنا قبل الثورة فهناك حزب و حيد أوحد مسيطر على كافة المقاليد و مجموعة من الأحزاب الكرتونية لا تقدم اى شيء جديد، و بناءا عليه لم يكن للمواطن المصري حق الاختيار فقد كان يختار أفضل الردئي .
إن التخوف من اقتصاد السوق مشروع و خاصة أن وجوده مرتبط بمظاهر فساد من الصعب أن ينساها المواطن المصري بسهولة، و لكن ما كان مطبق لا يمت باقتصاد السوق من قريب او بعيد فقط لقد استغل النظام السابق الاسم لكي يمارس باسمه أبشع صور الإجرام الاقتصادي فى حق الشعب. – برجاء الرجوع الى المقالة 3 و 4 - .
إن الضامن الحقيقي لاقتصاد السوق و الديمقراطية معا هو وجود " مؤسسات "، فالمؤسسات تعنى سيادة القانون و حماية حقوق الملكية و الشفافية و المساءلة و الإشراف و تصحيح مسارات الاعوجاج........الخ، الأمر الذي يعنى بالضرورة وجود حكومة جيدة و قوية وبرلمان يحاسب و مجتمع مدني نشط يقظ و صحافة حرة و قضاء مستقل. فإذا استطاعت الثورة إنشاء تلك المؤسسات و المحافظة عليها فهي و بلا شك تكون نجحت فى وضع مصر على المسار الصحيح لدولة حديثة مدنية قوية .
و أخيرا، إن التخوف الرئيسي من الاقتصاد الحر هو غياب العدالة الاجتماعية و تلاشى دور الحكومة كما كان يقال و يشاع من قبل النظام السابق، و لكن اقتصاد السوق لا يعنى أبدا غياب الحكومة، بل العكس هو الصحيح لأنه يتضمن دورا للحكومة تؤديه فى مجال مختلف ألا وهو المجال التنظيمي الذى يضع قواعد اللعبة و يضمن تنفيذها للتغلب على إخفاقات السوق، و بإذن الله سوف نتناول دور الحكومة فى اقتصاد السوق و طرق عادة هيكلة المجتمع المدني فى المقالة القادمة ،،،،،،،،

و للحديث بقية ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


Ideal_alex@yahoo.com
Islam.ideal@gmail.com 

1 comment:

  1. As usual ya Islam, a very good article, great effort and well-written. What I like most is that any non-economist could understand this.

    I totally agree with you: the "market economy" is not responsible for all the economic vices Egypt has gone through; but rather the FAKE application of the "market economy" concept is. The "market economy" is "democracy" applied to the market. And since we never had a "democracy" although the regime always claimed we had one (and ran a party that is called the National DEMOCRATIC Party), then the same applies to the economy: the regime CLAIMED we had one, but it was never really properly implemented

    ReplyDelete