بقلم ........... اقتصـــــادي حـــــر
ظهرت منذ فترة عده دعوات تطالب أن تتحول إيرادات قناة السويس بالجنية المصري، و أصبح هذا السؤال هو سؤال مطروح بشكل واسع فى المنتديات الثقافية و الفكرية و في الحلقات التلفزيونية و على منتديات شبابية كثيرة و إنشاءات له العديد من صفحات على Facebook . و لكن ابرز هذه المحاورات هي التي جرت فى أول مؤتمر جماهيري للسيد عمرو موسى الذى أعلن عن نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية فى ساقية الصاوي، و فيها طالب الحاضرين بهذا المطلب و نتيجة لنداءات الحضور قال عمرو موسى نعم ينبغي أن يكون الجنية المصري هو عملة التعاملات الرئيسة للقناه.
أمام هذا الجدل الكبير اشتركت فى احد المنتديات التى تنادى بهذا المطلب لكى أتعرف على وجه النظر من جميع جوانبها و بالفعل اشتركت فى عده نقاشات على المنتدى، و عندما سالت ادمن المنتدى عن وجه نظره جاءني الرد كالتالي :
السؤال : لماذا لا يتم تحويل رسوم قناه السويس لكى تكون بالجنية المصرى و ذلك للاسباب التالية :
اول حاجة احنا عايزين العملة بالجنية المصري ليه
السبب الاول ده هيترتب عليه حاجتين مهمين اوى علشان تعرف تنفذ الفكرة
1- انك هتقفل الاستيراد لفترة معينة تحدد بمعرفة المسؤليين
2- هتضطر انك تعمل مصانع وتصطصلح اراضى علشان تكفى بلدك ذاتى بدل متستورد واحنا هنكون عملنا القناه بالجنية ومفيش عملة صعبة عندك وكده يبقى ظربت عصفورين بحجر
السبب التاني انك هتساوى الجنية بالعمل التانية ولم تكون هناك برة مش هتحس ان عملة بلدك ملهاش قيمة ومينفعش انك تتعامل بيها هناك
وده هيخلى الطلب على العملة بتاعتنا يزيد وتكون من العمل الصعبة فى العالم ونرفع اقتصاد بلدنا من جميع النواحى
اتمنى اكون وصلتلك الفكرة و ارجو الافاده
شكرت الشاب عن حماسة و حبه لوطنه و قولت له سأكتب الرد فى اقرب وقت و انشره على مدونة "الاقتصاديون الجدد " التى تتناول الرؤية الاقتصادية لاحداث ثورة 25 يناير ، و فيما يلى الرد الاقتصادي لهذه القضية بوضوح وموضوعيه :
الإجابـــــــــــــة :
قبل الاجابة بنعم او لا يجب ان نوضح عدد من النقاط الهامة و التى بدونها لن نصل للمعرفة الكاملة للأبعاد الاقتصادية .
1- قوة العملة ليست بالضرورة تعكس قوة الاقتصاد قدرته التنافسية و اكبر دليل لذلك عملة اليوان – عملة الصين - ، فالجميع يعلم و يرى مدى القوه الاقتصادية للصين و كيف ان منتجاتها تغزو جميع الأسواق العالمية ، فلا يوجد سوق فى دولة يخلو من المنتج الصيني ،رغم هذا معظمنا لم يسمع أصلا عن عمله الصين و كم تساوى من الدولار فتخفيض قيمة العملة الخارجية له العديد من المزايا ومن أهمها جعل اسعار الصادرات ذات قدرات تنافسية فى الاسواق الخارجية نتيجة للانخفاض ثمنها مقارنه بأسعار البلد المصدر له ، كما انه يدعم بعض القطاعات و على رأسها السياحة .
2- فكرة غلق الاستيراد مش ممكنة لان مصر تستورد 70 % من السلع من الخارج، فمفيش حاجة اسمها نقفل الاستيراد مش بس لاننا دولة مستوردة و لكن لان فكرة الاكتفاء الذاتي اتمسحت من القاموس الاقتصادي لكل الدول فلا توجد دولة تستطيع ان تكتفي ذاتيا 100 % فالجميع يحتاج للجميع و فقا لشروط التجارة و الاقوى و ذو القدرة التنافسية الاكبر يتفوق فى الشروط.
3- لو اصبحت الرسوم فى قناه السويس بالجنية فمن أين ناتى بالعملة الأجنبية لاستيراد 70 % من السلع فى السوق المصري.
4- خلق الطلب على الجنية المصرى ليس بالضرورة ان يؤدى الى زيادة قدرة الجنية فى التنافس بين العملات الأخرى، وذلك لان الطلب على العمله هو طلب مشتق من الطلب على الصادرات و الواردات، فكلما زادت قدره الدوله على التصدير قوى المركز التجارى لها و بالتالى قوت العملة المحلية و العكس صحيح ، كلما انخفضت القدرة التصديرية و توسعت الدولة فى الاستيراد كلما زادت الضغوط على العمله المحلية و ضعف مركزها التجاري ، و بالتالى فالرغبة فى تدعيم الجنية يبدا بالطلب على المنتج او الخدمة المصرية و ليس من الطلب المشتق على العمله نفسها .
5- ان ايرادات قناه السويس بلغت 25 مليار جنية مصرى كأقصى ايراد لها ، اى انها تمثل 19% من حجم المنفق فى الموازنة العامة التى بلغت 126 مليار جنية عام 2010 ، و تمثل فقط حوالى 2% من اجمالى الناتج المحلى الاسمى البالغ 217 مليار دولار سنه2010 . اى ان إيرادات قناه السويس لا تمثل الكثير فى الانفاق العام او فى حجم الناتج الكلى لمصر و بالتالى فان تحويل الايرادات بالجنية لن يكون ذو فاعلية كبيرة .
6- رفع قيمة الجنية امام العملات الأجنبية لو اثار سلبية كبيرة على الصادرات حيث يجعل السلع المصرية اغلى فى الاسواق الاجنبية و بالتالى ينخفض الطلب عليها و بالتالي تنخفض الصادرات و ينخفض الإنتاج المحلى و تزيد البطالة و تقل القدرة التنافسية للاقتصاد
7- اذا كان الهدف من جعل الرسوم بالجنية للرفع قيمته وزياده الاغبه فى الاحتفاظ به عن باقى العملات الاخرى ، فهناك طرق وسياسات مالية و نقدية كثيرة اخرى و أهمها سياسة سعر الفائدة
8- هناك دول صناعية كبيرة عملتها ليست عملة دولية مثل السويد و النرويج وروسيا و تركيا و البرازيل و كندا و سويسرا و سنغافورة، فالعملة الدولية لها مواصفات عديدة ليس بالضرورة ان تنطبق على كل العملات و ليس عيب فيها.
9- ان الدولار هو العملة العالمية الأولى بلا منازع ليس فقط بسبب قوة الاقتصاد الاميريكى و لكن لانها العملة الأساسية فى الاحتياطيات الدولية و كذلك هو العملة الرئيسة فى التجارة العالمية . فالدولار الأميركي عملة الاحتياطي العالمي حيث تحتفظ البنوك المركزية في معظم دول العالم باحتياطيات كبيرة من الدولارات الأميركية لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة، وبذلك تبلغ نسبة مشاركة الدولار (60%) في الاحتياطيات الرسمية الدولية و80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي. وأكثر من (70%) في التعاملات التجارية ، و بالتالى فان هناك أسباب تاريخية أدت الى تراكم الاحتياطيات الدولية بالدولار و هذا وراء ان يكون الدولار هو العملة الأولى.
10 - إن الدولار الامريكى هى عملة التداول الأولى و الرئيسية فى العالم إلا أن مركز التنافسية للاقتصاد الامريكى تاتى فى المرتبة الرابعة و تفوق علية الاقتصاد السغافورى ، رغم ان سنغافورة تعتبر ولاية مقارنة بامريكا القارة ، و هذا دليل اخر على ان العملة ليست هى الاثبات الوحيد لقوة الاقتصاد. و دليل واضح على انه لا توجد علاقة قوية و مباشرة بين القدرات التنافسية للاقتصاد و قوه العملة كما يعتقد البعض.
11- أخيرا، فان مصر لديها سوق صرف حره، اى ان قيمه العملات تتحدد وفق قوى العرض و الطلب على كل عملة مقارنة بعمله أخرى، ففي حالة زياده الطلب على الجنية فقيمة الجنية ترتفع و العكس صحيح و كذلك الحال مع الدولار و باقى العملات الاخرى ، و بالتالي ففى اى لحظة يمكن تحويل جزء من الدولارات التى بحوزة البنك المركزى او الحكومة و التى تاتى من قناه السويس او من غيرها من المصادر الأخرى الى الجنية و وبالتالي يرتفع قيمة الجنية أمام الدولار (نتيجة زياده المعروض من الدولار و زيادة الطلب على الجنية ) .
الخلاصــــــة :
اعتقد الان و بعد هذا التناول المبسط،انه أتضح لنا الكثير من الأمور التى ربما تكون غائبة عن بعض من ينادى بضرورة جعل رسوم قناه السويس بالجنية المصري . فهذا الإجراء واقعيا لن يؤدى الى زيادة القدرة التنافسية او الى زيادة القدرات التصديرية للاقتصاد المصري او تقليل العجز فى الميزان التجاري عن تقليل الاستيراد او حتى الى تقويه الجنية امام الدولار و العملات الأخرى، بل بالعكس ربما هذا الإجراء يؤدى الى تفاقم كل هذه المشاكل و يصبح له أثار سلبية عديدة .
إن الحل الوحيد لتحقيق كل هذه الأهداف هو تحقيق تنمية اقتصادية حقيقة فى مصر تقوم على أساس على مدروس، زيادة الإنتاج و إقامة المصانع و تشغيل الايدى العاملة و إنشاء المشروعات الاستثمارية الكبرى التي تحقق التنمية المستدامة، إن تحقيق التنمية بمفهومها الشامل و الكامل و الصحيح هو الضمان الحقيقي و الوحيد لخلق مجتمع مصري اقتصادي جديد لديه قدرات تنافسية، يستطيع غزو الأسواق الخارجية بصورة تضمن ليس فقط عمله قويه بل اقتصاد حقيقي قوى لمجتمع صحيح متعاف.و ليصبح شعارنا جميعناً
" لا صــوت يعلو فوق صـــوت الإنتــاج "
و للحديث بقية ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مشكور يافندم على الشرح البسيط الممنمق .. كان ليا سؤال "هل سيؤثر رفع قيمة عملتنا خارجياً على قدرتنا التنافسية فى مجال التصدير على إعتبار إن قيمة عملتنا هتزيد مقارنة بعملات الدول المنافسة مثل الصين" !!
ReplyDeleteرد علمي جامع مانع لأهم ابعاد الموضوع
ReplyDeleteأحيي حضرتك بشدة
وأثمن غاليا كل كلمه قلتها في هذا الموضوع
فقط لعله أنني من دارسي الاقتصاد واعلم مدى دقة تحليلك
دمت مبدعا
تقبل مروري وتحيتي
شكرا جدا لقلم رصاص و ياريت تشارك معانا فى كتابة المقالات الاقتصادية ذات الحس الاجتماعى .
ReplyDeleteنتظر منكم المزيد
تعليق الاقتصادى الكبير حازم الببلاوى على نفس الموضوع ، و بنفس مضمون المقالة
ReplyDeletehttp://www.newsdbd.com/2011/05/blog-post_8191.html?sms_ss=facebook&at_xt=4dcf8e6cd16cf733%2C0#axzz1MPRezSSk
شكرا لك اسلام فلقد سبب لى هذا السؤال صداعا فى رأسى واجابتك كانت مقنعه.
ReplyDeleteالف شكر و هناك عدد جديد من المقالات الجديده التى يمكن متابعتها
Delete