Wednesday, 9 November 2016

ازمة سعر الصرف في مصر 2016... رؤية في المسببات والحلول المقترحة (1)





الجزء الأول: (مسببات الأزمة)

 

                                                                            بقلم .... اقتصادى حر


بداية وقبل ان نتحدث عن الازمة الحالية.. وجب علينا ان نرجع بالذاكرة الى الوراء لقرنين  من الزمن حين خرج أول جنيه مصري للنور عام 1836 وتم طرحه للتداول، كانت قيمة أوقية الذهب وقتها تساوي 20.69 دولار. البنك الأهلي المصري أصدر أول ورقة نقدية بقيمة جنيه مصري في 3 أبريل عام 1899. وكان تقييم الجنيه المصري، يتم عن طريق ما يعرف بـ "قاعدة الذهب"، بحيث كان الجنيه المصري يساوي 7.4375 جراماً من الذهب، وظل هذا المعيار هو الدليل الوحيد على قياس قيمة الجنيه، حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.

قررت الحكومة المصرية عام 1914 عدم الارتباط بقاعدة الذهب، وتم ربط الجنيه المصري بـالجنيه الاسترليني بحيث كان الجنيه الاسترليني يساوي تقريبًا 0.975 جنيه مصري. أما في عهد الملك فاروق بلغت قيمة الجنيه نحو 4 دولارات حيث بلغت قيمة أوقية الذهب 38.7 دولار. وفي يوليو 1947، فكّت الحكومة المصرية ارتباط الجنيه بالجنيه الاسترليني، وظل الجنيه المصري الواحد يعادل 4.1 دولار حتى عام 1949.
حين خرجت مصر من الحرب العالمية الثانية دائنة لبريطانيا بمبلغ 430 مليون جنيه استرليني. وبعد قيام ثورة يوليو 1952، واصل الجنيه تراجعه أمام الدولار الأمريكي ليبلغ في عهد جمال عبد الناصر نحو 2.5 دولار، وبلغت قيمة أوقية الذهب 38.9 دولار.  وبعد ثلاثون عام تقريبا من ثورة 1952 وبعد تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي في أواخر السبعينات وصل سعر الدولار إلى 60 قرشًا، وبلغ سعر أوقية الذهب 459 دولارا.
 وعندما تولى الرئيس الأسبق حسني مبارك الحكم في عام 1981، كان سعر صرف الدولار يساوي 80 قرشًا، الا ان تفاقم المشاكل الاقتصادية والمقاطعة العربية وارتفاع الديون الخارجية أدى الى تدهور قوه الجنيه امام الدولار في وقت قصير ليصل بعد عشر سنوات فقط الى 150 قرشا ثم ينخفض بقدار 100% في عام واحد ليصل الى 3 جنيه عام 1992. وبشكل نسبى ثبت بعدها قيمه الجنيه لمده عشره أعوام حتى عام 2003 لتقوم حكومة "عاطف عبيد" بخفض قيمه الجنيه من 3.75 الى 5.35 بعد مشاكل عده في سوق الصرف وارتفاعه في السوق الموازية الى أكثر من سبعه جنيهات.

نعود الى الحاضر والماضي القريب حيث تتعرض سوق الصرف المصرية لاضطراب شديد منذ ثورة 25 يناير 2011 ليس بسبب الثورة ذاتها ولكن بسبب ما تلاها من ظروف سياسية وامنيه واقتصادية بالإضافة الى موروث ثقيل من سياسات النظام السابق، الامر الذي أدى الى تفاقم معاناة الاقتصاد الحقيقي بسبب هذا الأمر، بما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذا الوضع غير المحتمل بتحديد دقيق لأسباب الأزمة وآثارها، وآليات الخروج منها عبر إصلاح هيكلي حقيقي وليس معالجات مالية ونقدية مؤقتة التأثير. ولفهم الازمة يجب الا نفصلها عن الوضع الاقتصادي في مصر في الوقت الراهن.
ببساطة شديدة العملة الأجنبية مثل الدولار او اليورو او الريال السعودي هي سلع تباع وتشترى كأي سلعه أخرى يحكمها عرض وطلب واليات السوق المعروفة، فاذا زاد الطلب عن العرض أي أصبح هناك فائض طلب ارتفع سعر العملة وإذا حدث العكس وحدث فائض عرض انخفضت قيمه العملة.
وإذا كنا بصدد ارتفاع مستمر لسعر الصرف (او انخفاض مستمر لقيمة الجنيه) فان هذا يعكس ان الطلب على العملة الأجنبية أكبر من عرضها.  ولفهم مصدر العجز يجب ان نعرف ما هي مصادر العملة التي تمثل جانب العرض ونواحي الطلب عليها وسوف نختص هنا بالدولار كأهم عمله يتم تداولها في السوق وتعتبر المحرك الأساسي لسعر الصرف.
يتمثل الطلب على الدولار في ثلاث أسباب: أولا بهدف اجراء المعاملات التجارية وهو الطلب على الواردات وهي السلع والخدمات المستوردة من الخارج (هذا هو الجزء المدين في ميزان الجاري). ثانيا: الطلب على الدولار بهدف الاحتياط أي استخدام الدولار كمخزن للقيمة، فعدد كبير من المواطنين يحول ما يملكه من ثروة الى الدولار وذلك للاستقرار النسبي لها وانخفاض معدل التضخم في الاقتصاد الأمريكي مقارنه السوق المحلى المصري. وأخيرا يأتي السبب الثالث للطلب على الدولار وهو المضاربة عليه واستخدامه كسلعه في حد ذاتها املاً في تحقيق أرباح من شراء بسعر منخفض ثم البيع عند الارتفاع.
اما جانب العرض فمصدره عدة جهات مختلفة و جميعها يظهر في الجزء الدائن في الميزان الجاري و ميزان راس المال و اهم تلك المصادر هي: الصادرات السلعية او الصادرات الخدمية مثل السياحة و إيرادات قناة السويس او تحويلات العاملين بالخارج او الاستثمار الأجنبي المباشر( FDI).

 وبهذا التصور إذا نظرنا واقع الحسابات القومية المنشورة ندرك أسباب الازمة الحقيقية:
·        يتمثل جذر مشكلة سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الحرة الرئيسية في العجز الهائل في الموازين الخارجية لمصر، فقد بلغ العجز في الميزان التجاري نحو 40 مليار دولار في العام المالي 2014/2015. أما عجز ميزان الحساب الجاري فقد تفاقم على نحو سريع ليبلغ 18,7 مليار دولار عام 2015/2016، مقارنة بنحو 12,1 مليار دولار في العام المالي 2014/2015، ونحو 2,8 مليار دولار عام 2013/2014، ونحو 6,4 مليار دولار 2012/2013، ونحو 10,2 مليار دولار عام 2011/2012. في ظل مثل هذا العجز يوجد سبب موضوعي لتدهور العملة المحلية لبلد ينتج ويصدر أقل كثيرًا مما يستهلك ويستورد.
 
·        فضلًا عن العجز الرسمي في الميزان التجاري، وميزان الحساب الجاري، فإن الجنيه المصري يعاني بضراوة من المضاربة عليه من المضاربين في الاقتصاد الموازي، خاصة التجارة غير المشروعة في السلاح والمخدرات وتهريب الأموال التي تكونت في تلك التجارة، بالإضافة إلى تلك التي تكونت من جرائم الفساد، إلى خارج البلاد بعد تحويلها لعملات أجنبية. فانتشار الاخبار الصحيحة منها والمغلوطة أدى الى عمليات شراء غير مسبوقة للدولار انتظارا لرفع مستقبلي لقيمه العملة ومن ثم تحقيق أرباح طائلة وعلى قدر الشراء اليوم على قدر الربح غدا، الامر الذي اوصلنا الى ان هناك عدد كبير من المواطنين عاديين بدأ في بيع بعض أصول ثابته لديه وشراء دولار بدلا عنها. وبمقدار الارتفاع اليومي ازداد الطلب بشكل أسرع، وامام صمت السلطة النقدية وعدم تدخلها بشكل فعال وتأخر كل القرارات المطلوبة لحماية الجنيه لمده تزيد عن أكثر من عام ارتفع سعر الصرف في السوق الموازي الى 18 جنيه أي بزيادة 100% عن سعره الرسمي، وهو بطبيعة الحال لا يعكس القيمة الحقيقية للجنيه امام الدولار ولكن يعكس حجم طلب بغرض المضاربة. وما يؤكد هذا هو أن الجنيه المصري مقدر في الأصل بأقل من قيمته الحقيقية وفقا لبيانات البنك الدولي، حيث أن الناتج المحلي الإجمالي المصري بلغ نحو 330,8 مليار دولار عام 2015 إذا تم حسابه بالدولار طبقًا لسعر الصرف السائد، أما إذا تم حسابه بالدولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار والجنيهPPP ، فإنه يبلغ 996,6 مليار دولار؛ أي أن الدولار يعادل 2,6 جنيه مصري فقط، وفقًا لتعادل القوى الشرائية بين الجنيه في سوقه والدولار في سوقه.
·        الجنيه المصري يعاني أيضًا من أن سعر الفائدة الحقيقي عليه يعتبر سلبيًا في الوقت الراهن، ولا يشجع على الادخار أو على حيازته، مقارنة بالعملات الأخرى. فسعر الفائدة الحقيقي هو سعر الفائدة الإسمي المعلن من البنوك مطروحًا منه معدل التضخم، وسعر الفائدة المعلن من البنوك يقل عن معدل التضخم المعلن في شهر سبتمبر بنحو 5%، حيث بلغ معدل التضخم 14,1%. وهو الامر غير المقبول في أي اقتصاد يسعى جاهدا الى احداث طفره في معدلات الاستثمار لديه، فالاقتصاد الأمريكي صاحب عمله الدولار سعر الفائدة عليه يبلغ 1,75% ومعدل التضخم في الولايات المتحدة يبلغ حاليًا 1,1% فقط؛ أي أن هناك فائدة إيجابية على الدولار تبلغ 0,65%، وحتى الين الياباني الذي يبلغ سعر الفائدة عليه - 0,05%، تعتبر الفائدة الحقيقية عليه إيجابية وتبلغ + 0,45%؛ لأن معدل التضخم في اليابان يبلغ - 0,5%.
·        بلغت مدفوعات السياحة في الخارج نحو 4091 مليون دولار في العام المالي 2015/2016 ولأول مرة تتعرض مصر للعجز في ميزان السياحة، حيث بلغت قيمة الإيرادات السياحية نحو 3767,5 مليون دولار، أي أن هناك عجز في ميزان السياحة قيمته 323,5 مليون دولار، أي تحول قطاع السياحة من مصدر للنقد الأجنبي إلى مستنزف له.
·        أيضا انخفضت تحويلات المصريين بالخارج خلال العام الجاري لتصل إلى نحو 12.4 مليار دولار، مقارنة بـ18.4 مليار دولار خلال العام المالي 2011-2012، بحسب البنك المركزي.
·        اما معدل الاستثمار الإجمالي الذي يمكن المراهنة عليه في زيادة الإنتاج والصادرات فقد بلغ 14,4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014/2015، مقارنة بنحو 22% في المتوسط العالمي ونحو 32% في دول الدخل المتوسط، ونحو 40% في دول الشرق الأقصى والمحيط الهادئ، وأكثر من 25% في المغرب وتونس والجزائر. وهذا المعدل المنخفض للاستثمار ليس من شأنه الاستجابة لأي طلب خارجي ولا حتى سد حاجة الأسواق المحلية. الامر الهام من نوع الاستثمار فإن الاستثمارات في مصر تركزت في النفط والغاز والعقارات والبنية الأساسية بصورة موجهة للاستهلاك المحلي أساسا وليس بها أي اشكال مضاعفه الإنتاج ومن ثم التصدير لاحقا. ووفقا لتقرير البنك المركزي في أغسطس 2016 فقد تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر "الإقليمي والعالمي" من 2.5% من الناتج الى 2% نتيجة عدم إجراء الإصلاحات والتعديلات التشريعية اللازمة لتهيئة مناخ الاستثمار مما أثر سلبا على ميزان المدفوعات. وتراجع الاستثمار في المحافظ نتيجة تراجع التصنيف الائتماني، وضعف الثقة في القدرة على تدبير النقد الأجنبي اللازم، وضعف موارد النقد الأجنبي داخل القطاع المصرفي. الجدير بالذكر هنا أيضا إن تنافسية الاقتصاد المصري تراجعت، حيث جاءت مصر في المرتبة الـ 116 في مؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، بين 144 دولة في عام 2015/2016، مقارنة بالمرتبة 81 من 139 دولة في 2010/2011.
·        نقطه اخيره هامه في شان العجز الخارجي، هو أنه رغم إنفاق حوالي 64 مليار جنيه لمشروع توسعة قناة السويس، الا ان إيرادات البلاد من القناة انخفضت في عام 2015 إلى 5.175 مليار دولار، بينما كانت في عام 2014 حوالي 5.465 مليار دولار، ما يعني أن الإيرادات السنوية قد انخفضت بنحو 290 مليون دولار. ورغم ان ذلك يرجع الى تدهور التجارة العالمية وانخفاض أسعار النفط الا ان المحصلة النهائية ان النقد الأجنبي انخفض من مصدر هام أتم إنفاق مليارات الجنيه المصري عليه.

ونتيجة لهذا العجز الخارجي الهائل كان لابد ان تقل قيمه الجنيه امام كل العملات الأجنبية وبصفه خاصة الدولار، وما يزيد الامر تعقيدا هو ارتباط هذا العجز الخارجي بعجز داخلي غير مسبوق، فبمراجعه الموازنة العامة والحساب الختامي للعام السابق يتضح التالي:
·        يبلغ حجم العجز في الموازنة العامة 12.2% من الناتج المحلي الإجمالي وهو سبب رئيسي للتضخم ولتفاقم الديون الداخلية والخارجية أي بقيمه 339.5 مليار جنيه، رغم ان الحكومة كانت تستهدف خفض عجز الموازنة العامة إلى ما بين 9.5 و10% من الناتج المحلي، حيث بلغ العجز العام السابق نحو 11.5%.  حيث بلغت الإيرادات العامة 491.5 مليار جنيه في حين ووصلت المصروفات العامة إلى نحو 817.8 مليار جنيه. حيث بلغت أعباء الدين العام نحو 293 مليار جنيه لتمثل 36% من الانفاق، وسجل الإنفاق على الأجور نحو 214 مليار جنيه بنسبه 26% من الانفاق و200 مليار للدعم، ليتبقى 110 مليار تنفقها الدولة على مجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية خلال العام أي بنسبه 13 % من حجم الموازنة فقط.
·        ومن المؤكد أن أي إصلاح حقيقي للاقتصاد المصري يتطلب إجراءات قوية لمعالجة هذا العجز والفشل التاريخي المتواصل للسياسة المالية التي أوصلت مصر إلى مستويات مروعة من الديون الداخلية. فقد ارتفع الدين العام المستحق من نحو 555 مليار جنيه في نهاية يونيو 2006 الى 967 مليارا في نهاية يونيو 2010 والى 2085 مليارا في نهاية يونيو 2015 وأخيرا وصل الى نحو 2619,6 مليار جنيه مصري في نهاية يونيو 2016. 
 
·        وعلى الجانب الآخر فقد ارتفعت قيمة خدمة الدين الحكومي من 61 مليارا عام 2005/2006 الى 99 مليارا عام 2009/2010 قبل ان تقفز الى 410 مليارات عام 2014/2015 شكلت الفوائد نحو 193 مليارا بنسبة 26.3% من إجمالي مصروفات الموازنة وبلغت الأقساط المسددة خلال نفس العام نحو218 مليار جنيه
·        وتراجع احتياطي النقد الأجنبي في المصرف المركزي المصري من حوالي 36 مليار دولار عام 2011 إلى 19.5 ملياراً حالياً. كما ارتفع الدين الخارجي لأكثر من 55.8 مليار دولار في العام المالي 2015 – 2016، بعد ان كان حوالي 34 مليار ديسمبر 2010. 
نتيجة لكل هذه الصعوبات المالية التي تواجهها مصر و العجز المالي و النقدي خفضت وكالة ستاندرد أند بورز Standard & Poor's  التصنيف الائتماني السيادي طويل الأجل لمصر من إيجابي الى مستقر إلي سلبي‏  و بالتالي هذا التصنيف السيئ انعكس بشكل سلبى مباشر على معدلات الاستثمار .

 سبباً اخر لا يمكن تجاهله وربما هو سبب رئيسي في تفاقم الازمة وهو تعامل السلطة النقدية مع الازمة والذي يطرح العديد علامات استفهام كبرى وتتعرض لانتقاد حاد من الغالبية العظمى من الاقتصاديين داخل او خارج مصر. فعدد كبير من الصحف والتقارير الغربية الاقتصادية مثل Economist هاجمت بشكل واضح سياسيات البنك المركزي المصري واعتبرت انه لا سياسة نقدية في مصر سواء من محافظ البنك السابق (هشام رامز) الذي قدم استقالته نتيجة تفاقم الازمة او من المحافظ الحالي (طارق عامر)، وفيما يلي أبرز أخطاء تعامل السلطة النقدية مع الأزمة:
·        السلطة النقدية تجاهلت بشكل كامل في اول الامر وجود ازمة وتصريحات محافظ البنك المركزي كلها تحمل معنى واحد ان لا ازمة، مما أضعف الجنيه بشكل متكرر امام الدولار عقب كل تصريح لمحافظ البنك المركزي.
·        استمرارا في انكار المشكلة، اعتبرت ان سبب الازمة هي شركات الصرافة واعتبار هذه الشركات هي المحرك الرئيسي للسوق الموازية وبالتالي ارتفاع سعر الدولار فيها، وبالفعل نقل محافظ البنك المركزي ملف سعر الصرف من مكتبه الى مكتب وزير الداخلية وبدأت الملاحقة الأمنية للشركات وتم اغلاق 53 شركة صرافة من مجموع 115 شركة مرخصة. كما وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون لتغليظ العقوبة على من يتعاملون في العملة الأجنبية خارج القنوات الرسمية. ورغم الاتفاق على ان هذه الشركات لعبت دورا كبيرا في ارتفاع سعر الدولار الا انها تعكس بشكل او باخر ان هناك ازمة حقيقيه كما ذكرنا من سابق وان دور هذه الشركات هو متنفس لهذه المشكلة. الامر الذي أدى في اخر المطاف الى ازياد سوء حال سعر صرف الجنيه في السوق الموازية، فتجار العملة لم يختفوا بعد هذه الإجراءات وإنما اتجهوا في عملهم إلى مسارات أخرى وأبواب خلفية مثل المقاهي والمتاجر والمحلات وشركات السياحة وبدل أن يكون هناك قرابة مئة شركة مرخصة من الممكن فرض رقابة عليها أصبح هناك مئات المنافذ غير المرخصة التي تعمل كسوق موازية سيزيد نشاطها بشكل واضح مما أدى الى ارتفاع سعر الدولار متجاوزا قيمته الحقيقية بسبب هذه الأوضاع.
·        أخيرا، قرر البنك التدخل وتذكر بعد غفلة طويله انه المسؤول الأول عن تدهور القوة الشرائية للجنيه مهما تعددت الأسباب او تداخلات الجهات المعنية، تبقى وظيفة استقرار سعر الصرف مسؤوليه البنك المركزي. لهذا قرر رفع سعر الفائدة على الودائع الدولارية بما يتجاوز السعر السائد في الأسواق المصرفية العالمية كآلية لجذب المدخرات الدولارية للمصريين العاملين في الخارج. حيث تم إصدار شهادة «بلادي» الدولارية للمصريين العاملين بالخارج بثلاثة آجال مختلفة، عام واحد وثلاث وخمسه أعوام بسعر فائدة يصل الى 5.5 %. والحقيقة أن عنصر الجذب الأساسي في تلك الشهادات هو سعر الفائدة المرتفع بأكثر كثيرا من المستويات السائدة في السوق المصرفية والتي تشكل الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية التي يبلغ أجلها 10 سنوات مؤشرا لها وهي تبلغ نحو 1.82% حاليا. بينما يبلغ سعر الفائدة على السندات المناظرة باليورو نحو 0.21% فقط في الوقت الحالي. وإزاء تلك الحقيقة لم تكن هناك حاجة لتسمية تلك الشهادة بـ«بلادي» لأن المصلحة وليس الوازع الوطني هو ما حرك شراءها في ظل الشروط البالغة الكرم والمثيرة للجدل التي قدمتها بنوك الدولة لتلك الشهادات. ورغم التحفظ على هذه الشهادات حيث أنه سيكون على البنوك الحكومية المصرية التي أصدرت الشهادات أن تدفع عنها فوائد أعلى كثيرا من العوائد التي يمكن أن تحصل عليها من توظيفها بما يعنى أنها عملية مالية خاسرة. والأمر بهذه الصورة يعنى أن الشهادات هي محاولة لمواجهة أزمة خانقة بتكلفة باهظة. فشلت الحكومة في الترويج لهذه الشهادات ولم تلقى القبول المتوقع من المصريين في الخارج.

وامام هذا العجز الداخلي والخارجي في هيكل الاقتصاد المصري وغياب وتأخر تام لأدوات السياسة النقدية تفاقمت الازمة يوماً بعد يوم وارتفع سعر الصرف لمستويات غير مسبوقة في تاريخ العملة المصرية لنصل الى يوم 3 نوفمبر 2016 عندما قررت السلطة النقدية تعويم الجنيه وهذا ما سوف نتناوله في المقال الثاني الذي سوف يناقش أبعاد القرار وتداعياته.

وللحديث بقية ،،،،،

4 comments:

  1. Very good analysis; waiting for part 2
    Best of luck

    ReplyDelete
  2. ما شاء الله د إسلام مقال رائع و تحليل مفصل و دقيق

    ReplyDelete
  3. في انتظار المقال الثاني

    ReplyDelete
  4. في انتظار المقال الثاني

    ReplyDelete