Friday, 25 February 2011

ثورة 25 يناير .......رؤية اقتصادية (4)







ثورة 25 يناير .......رؤية اقتصادية (4)
"الثورة هي استثمار في المستقبل "

بقلم ........... اقتصـــــادي حـــــر


قبل البدء فى المقالة الجديدة، اشكر كل من قام بالتعليق و الرد سواء كان بالاختلاف او بالاتفاق، و هذا ما كنا نصبوا إليه من خلال ثورتنا، وهو تعدد الرؤى و اختلاف الآراء لقد سائمنا من الرأي الأوحد و التفكير الأوحد و التنفيذ الأوحد، لقد حان الوقت لكي يقول كل فرد منا رايه بصراحة و موضوعية. نحن جميعا لسنا مع الانتقاد من اجل الانتقاد و لا يجب أن نكون أيضا ممن يدفنون رأسهم فى التراب، فالاقتصاد بطبيعته تراكمي يبدأ من حيث ما انتهى عند اخر نقطة فكان لابد أن نوضح عند اى نقطة انتهينا و كيف سرنا إلى تلك النقطة ، و ما هي الأخطاء و الكوارث بل و الجرائم التى ارتكبت فى حق اقتصادنا الوطني . أخيرا نحن لا نتحدث عن أشخاص سواء ممن افسدوا فى المرحلة السابقة او ممن نأمل منهم الإصلاح فى المرحلة القادمة، نحن نتحدث عن سياسات أساسيه تهدف الى حياه كريمة للمصريين.

لقد انتهينا فى المقال السابق بكيف خرجت ثورة 25 يناير تحمل شعارها الأول " حرية ..... تغير.... عدالة اجتماعية "، موضحنا الأسباب الاقتصادية التي دفعت بخروج الملايين إلى الشوارع لكى تتطلب بتغير حقيقي و إصلاح ملموس لتنقلب هذه المطالب إلى تغير كامل للنظام و يصبح شعار الثورة " الشعب يريد إسقاط النظام ". و الذي له الفضل الرئيسي لهذا التحول هو النظام نفسه، فرد فعله البطيء و الاستخدام المفرط للقوة و قتل الثوار العزل، جعل الشعب يثور أكثر فأكثر و يتمسك بالشعار الى أن تحقق بالفعل و سقط راس النظام يوم الجمعة 11فبراير 2011 الساعة السادسة مساءا.
في هذا المقال سوف نوضح أثار الثورة على الاقتصاد المصري منذ بداية الثورة و حتى يومنا هذا، و قبل استعراض هذه الآثار علينا ان نوضح نقطتين فى غاية الأهمية هما:
·        الفرق بين التكلفة الاقتصادية و الخسائر الاقتصادية، فما أشاع بين الجميع و على صفحات الجرائد كل يوم هى الخسائر الاقتصادية التى يتعرض لها الاقتصاد المصري بسبب الثورة، و هو ما يعد خلط كبير بين مفهوم التكلفة و الخسارة؛ فالتكلفة  Cost هي هو كل ما ينفق بهدف الحصول على منفعة حالية او مستقبلية ، اى هى تضحية اقتصادية لازمة لمباشرة النشاط لا يمكن تجنبها و لا يمكن الاستغناء عنها ( إنفاق بمقابل ). أما الخسارةloss  هي النفقة التى لا يقابلها منفعة سواء حالية او مستقبلية ،اى ان هذه الأموال تضيع هباءا و تخرج بعيدا عن العملية الإنتاجية ( إنفاق بلا مقابل ) .
وبهذا يتضح الفرق الشاسع بين المفهومين و بالتالي فما حدث فى مصر هو التكلفة الاقتصادية للنهضة، لأن أى تكلفة اقتصادية هى تكلفة محتملة مقارنة بما سيحققه البلد من منافع سياسية واقتصادية فى المستقبل، بل ونقلة نوعية فى حياة المصريين، لا يمكن أبدا ان نقول ان ما حدث هو انهيار الاقتصاد أو خسائر موجعة، إنما تكون الخسائر على مستوى القطاعات الجزئية اما بالنسبة للاقتصاد بشكل عام فهى تكلفة لاهم عنصر من عناصر الإنتاج و هو الحرية، و سوف نفصل هذا بشي من التفصيل لاحقا.

·        النقطة الثانية التى يجب أن نأخذها عن تحليل اى حاله اقتصادية هى الحالة السياسية، فعجله الاقتصاد ترتبط بعجله السياسة و العكس صحيح، فأحيانا تقود قاطرة الاقتصاد السياسة و احيانا تقود قاطرة السياسة الاقتصاد، و بناءا علية إذ انتشر الفساد السياسي كما كان حدث فنحن بالضرورة نتحدث عن فساد اقتصاد متوغل ، و اذ انتقلت الحياة السياسية الى الديمقراطية و الراى و الراى الاخر ، رأينا بالضرورة حياه اقتصادية صحية سليمة . بالتالي فلا يمكن الحديث عن إصلاح اقتصادي بدون إصلاح سياسي حقيقي و جوهري و هذا ما قامت به الثورة .

 بعد هذا التوضيح يمكنا تحليل أحداث الثورة ببعد اقتصادي من خلال استخدام مدخل المنافع و التكاليف (Cost-benefit analysis ) و لنبدأ بتوضيح اهم التكاليف الاقتصادية التى تحملها الاقتصاد؛ إن هناك نوعين من التكلفة هما:
 النوع الأول : تكاليف يمكن استراجعها بشكل مباشر :
يمكن استراجع هذه التكلفة بشكل مباشر والممثلة فى أسعار الأصول الحقيقية والمبانى والعقارات إلى جانب الأصول المالية والأسهم والسندات والتى ستعود إلى طبيعتها بمجرد أن تستقيم الأمور فى القريب العاجل. ولهذا فان ما يقيل أن خسائر البورصة وصلت الي 69 مليار جنيه فى يومين فقط ثم اقفال البورصة بعدها، فهذا  الرقم يمثل حجم انخفاض رأس المال السوقي للأسهم المتداولة في البورصة، فالأسهم موجودة ولكن سعرها انخفض، وحتي انخفاض أسعار الأسهم لم يتجاوز انخفاضات سابقة تأثرا بالأزمة المالية العالمية التي طالبت الحكومة شعبها بدفع ثمنها، الأمر الآخر هو أن ما فقدته الأسهم سريعا ما سوف تعوضه مع عودة البورصة للتداول و عوده عمليات الشراء مره اخرى.

النوع الثاني: تكاليف يمكن تعويضها بشكل غير مباشر
هي تكاليف لا يمكن تعويضها بشكل مباشر والخاصة بفترة الاحتجاجات و كيف تعامل النظام السابق معها والتى تسببت فى توقف النشاط الاقتصادي بدرجة كبيرة، و أهم هذه التكاليف كانت فى القطاعات التالية:
أولا: قطاع الاتصالات:
 لقد قاوم النظام السابق الثورة بكل مجنون و كان من اهم مظاهر هذا الجنون هو إيقاف خدمات الانترنت لـ 5 أيام متتالية مما تسبب فى فقدان ما يزيد على 90 مليون دولار فضلا عن توقف أعمال جميع القطاعات المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية و على رأسها قطاع السياحة و الملاحة و الطيران .
ثانيا: قطــاع السياحة:
نتيجة لتصاعد أحداث العنف من قبل النظام تجاه الثوار فى كافه المحافظات و استجابة لنداءات معظم الدول لرعاياها بمغادرة مصر أثناء هذه الأحداث فى الأسبوع الأخير من شهر يناير وإلغاء حجوزات السائحين خلال شهر فبراير . و قد قدر عدد السائحين الذين غادروا مصر فى الأسبوع الأخير من شهر يناير 210 الف سائح مما أدى إلـى إنخفـاض الإنفــاق السياحــى بحوالــى 178 مليــون دولار خــلال هــذا الأسبـــوع . كما أًلغيت حجـوزات شهـر فبرايـر لتصل التكلفه الاقتصادية الى 825 مليـــون دولار خلال هذا الشهر. و بالطبع كان لهذا انعكاس علــى العمالــة فى قطاع السياحة نتيجة إستغناء المنشآت السياحية عن العمال المؤقتين بها وخفض أجور العاملين الدائمين نظراً لإنعدام الإشغال بها، وقدر الإنخفاض فــى أجــور هــذه العمالة بما قيمته 70 مليون جنيه خلال هذه الفترة. و كان لهذا الاثر على القطاع السياحى اثر على قطاع الطيران المدنى .
ثالثا: قطاع الصناعات التحويلية والاستخراجية:
بلغ إجمالى الخسائر المحققة فى هذا القطاع بالمناطق الأكثر تأثراً وهى  القاهرة الكبرى و مدن القناة و الإسكندريه والعاشر من رمضان) خلال الفترة من 28/1 إلى 5/2/2011 ما قيمته 3736.6 مليون جنيه و بلغت الطاقة العاطلة فى هذه المناطق حوالى 60% من إجمالى الطاقة الإنتاجيـــة المتاحـــة خلال تلك الفترة. كما حققت صناعـة المنتجــات الغذائيــة نسبـة خسائــر سواء فى الإنتاج بسعــر البيع بنسبه 20 %  أو فى القيمة المضافة الصافية بنسبه 18.2% من إجمالى الخسائر خلال نفس الفترة.
رابعا : قطـــاع التشييـــد والبنــاء:
بلـــغ إجمالــى الخسائــر المحققـة فـى هــذا  القطــاع 488.1  مليون جنيه بنسبة 1.7% مـن إجمالــى القيمة المضافة الصافية على مستوى الجمهورية .
خامسا : قطاع النقل :
بلغت حصيلة خسائر قطاعات النقل المصرية خلال الاسبوعين الاول للثورة حوالى  إلى 15 مليون جنيه يومياً وبلغت  الخسائر اليومية لمترو الأنفاق تبلغ مليون جنيه  أما خسائر السكك الحديدية المصرية فتبلغ 4 ملايين جنيه يوميا فيما تبلغ خسائر الموانئ المصرية 10 ملايين جنيه يوميا. و لكن مع بدا تخفيف ساعات حظر التجول و سقوط راس النظام السابق انخفضت هذه الارقام بشكل كبير .
سادسا : الاستثمار الأجنبي :
 بالطبع ان لهذه الأحداث اثر على الاستثمار الاجنبى و هروب الأموال الى الخارج، و لكن اى استثمار و اى أموال ؟؟ ، فالاستثمارات التى جاءت بغرض التنمية و اقامه مشروعات كبيرة فى مصر لم تخرج لانها لا تستطيع الهروب بين يوم و ليله ، إنما التى تهرب هى الأموال الساخنة Hot money و هي السيولة الأجنبية التي تدخل إلى أسواق المال المحلية بهدف جني الأرباح السريعة معتمداً على المضاربة على بعض الاسهم و السندات او مستغله من فساد ما ، وتختفي هذه الأموال بمجرد ظهور موجة تصحيح في الأسعار او ظهور اى ازمة سياسية او اقتصادية . و خروج هذه الاموال لا يؤشر بشكل كبير على التنمية لانها لم يكن لها دور غير تحقيق مكاسب نقدية على حساب اى اعتبارات تنموية اخرى .

وإجمالا فقد ذكرت تقارير و أهما تقرير شركة الاستشارات العالمية Economist Intelligence Unit (EIU) في تقريرها الأخير، ان اجمالى التكلفة الاقتصادية للثورة قد تصل الى 17 مليار دولار على اقصى تقدير اى ما يساوى 100 مليار جنيه، بما فى ذلك خسائر سوق الأوراق المالية. و ان نمو الاقتصاد في مصر سينخفض إلي 3.7% من 5.3% في 2011 .

تعليق ختامي :
سوف نتناول فى المقالات القادمه تحليل المنافع الاقتصادية التى ستعود على الاقتصاد، لكى نبرهن بأسلوب علمي منظم و موضوعي ان تلك التكلفة كبيرة كانت أم صغيرة، لا تقارن بحجم الإنجازات التى ستحققها مصر جراء هذه الثورة، ولا أقصد هنا المكاسب السياسية فحسب، بل المكاسب الاقتصادية ايضا. 
وقبل الشروع فى توضيح ماذا بعد ثورة 25 يناير و توضيح كيف أن الثورة هى استثمار للمستقبل، و رادا على ما سبق من تكاليف اقتصاديا، فاسترجاع جزء من اموال الشعب التى سرقت من قبل النظام السابق كفيل بان يسد فاتورة كل الديون و التكاليف للثورة، فحجم الفساد الذى تم التحقيق فيه منذ خلع الرئيس السابق و بدا التحقيقات فى قضايا الفساد تجاوزت 176 مليار جينه اى تقريبا ضعف التكلفة ، يكفى ان حجم الفساد فى مصر  و الذى كان مرصودا من الجهات الرقابية بلغ اجماليه 57 مليار دولار خلال الفترة بين العامى 2000 الى 2008 ،و هذا كان معلنا من قبل تقرير الشفافية الدولي هذا من جانب اما من جانب اخر فالانخفاض فى معدل النمو الافتصادى لا يعتبر انخفاضا حادا و على الاقل فهو مازال ايجابى ، فالجميع يعلم ان فى فترة التحول الديمقراطى فى اوروبا الشرقية انخفضت معدلات النمو الى السالب ، اى اننا لم نبدا من تحت الصفر كما بدا اخرين و اليوم انظر كيف اصبحت بولندا و فلندا و المجر .


وللحديث بقيه ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،





No comments:

Post a Comment